Author Archives: Delal Khalifa

Titleرماد أنجيلا

رماد أنجيلا

سيرة جلبت لصاحبها الجوائزَ والغضب

هناك سِيَرٌ ذاتية مشوِّقة, وهناك طُرقٌ للسرد مشوِّقة, وهاتان الميزتان اجتمعتا لدى فرانك ماكورت الأمريكي الإيرلندي الأصل, فسيرته الذاتية “رماد أنجيلا” الصادرة عام 1996م مشوقةٌ بتفاصيل أحداثها, وبطريقته البسيطة والجميلة في سردها مع تفاصيل الظروف والأماكن بإيرلندا في الفترة الزمنية ما بين 1930 و1949م. لذا فعندما تبدأ قراءتها لا تستطيع بسهولة أن تتوقف قبل أن تنتهي. وفور انتهائها تشعر أنها ناقصة لأنها تنتهي وبطلها في التاسعة عشرة من عمره, بينما تُنبِئك صورةُ راويها داخل الغلاف الأخير بأنه تجاوز الخمسين. والجزء الكبير الذي لا تشمله هذه الرواية من حياته يشمله جزءٌ ثانٍ لسيرته علمتُ أنه نُشر بعنوانٍ آخر عام 1999م.

%d8%ba%d9%84%d8%a7%d9%81-%d8%b1%d9%85%d8%a7%d8%af-%d8%a3%d9%86%d8%ac%d9%8a%d9%84%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a8%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84%d9%89غلاف الطبعة الأولى للرواية

من نقاط قوة الرواية أنه أثناء استمتاعك بقراءة تفاصيل التفاصيل بهذه السيرة يتسرب إليك بخفةٍ وسلاسة الكثير عن طبيعة مدينة ليمِريك بإيرلندا وأحوال الناس المختلفة فيها في تلك الفترة؛ ذلك الفقر المدقع, تلك الظروف المناخية الصعبة, وكثيرٌ من التفاصيل الأخرى..

“كان على أبي وأمي أن يبقيا في نيويورك حيث تزوجا وحيث ولدت, إلا أنهما عادا إلى ايرلندا وأنا في الرابعة وأخي ملكاي في الثالثة والتوأمان أوليفر و يوجين بالكاد قد أتما عامهما الأول وأختى مارجريت قد ماتت ورحلت.”  هكذا يستهل الكاتب سيرته الذاتية ثم يذكر أنه عندما يستعرض طفولته يستغرب كيف عاش وتجاوز مرحلة الطفولة, ويقرر أن أبأس الطفولات هي طفولة الإيرلنديين, وأبأس منها طفولة الإيرلنديين الكاثوليك. ثم تأتي التفاصيل.

الرطوبة مثلاً, حيث الأمطار تجعل الجو دائماً رطباً حتى أن الملابس عندما تغسل تكاد لا تجف مهما مر بها من الوقت على حبل الغسيل وإن وضع بالداخل.. إصابته في مراحل طفولته بمرضين خطيرين قضى من أجلهما مدداً طويلة بالمستشفيات, أحدهما التراخوما الذي كاد يودي ببصره أثناء عمله الشاق في شحن الفحم وتوصيله على عربة مكشوفة, وقبله التيفويد الذي كاد يودي بحياته.

ولكنه, وهذا أجمل ما في العمل, لا يتحدث عن هذه الأمور بمأساوية, بل بشكلٍ مشوِّقٍ مرح. ولا يدَع موقفاً به مجال لتعليق ضاحك يمر من دون أن يستغله؛ عندما يكتشف في سني طفولته المتأخرة أن تاريخ ميلاده لا يأتي بعد تاريخ زواج والديه إلا بخمسة أشهر وهو يعلم أن أشهر الحمل تسعة يقول إنه فرح ظناً منه أنه إنسان مقدس!

بالإضافة إلى كون والده سكيراً بشكلٍ زاد الأسرة فقراً, كان منتمياً لحركة “الجيش الايرلندي الجمهوري” المؤمن بوجوب استقلال ايرلندا كلها ولو بالعنف, وكان من ثم ممن هم في حالة تشاكل إما مع الإنجليز وإما مع الايرلنديين أو كليهما كما يقول الكاتب. فأصبح مطلوباً لدى السلطات, أو “على رأسه ثمن” كما يقولون, ويعلق الراوي بأنه في طفولته كان ينظر إلى أبيه بشعره الخفيف وأسنانه المتساقطة ولا يفهم لماذا يدفع أيّ أحد أيّ ثمنٍ في رأسٍ كهذا!

في كل مستشفى له حكايةٌ وأبطالُ مؤثرون, وفي كل مرحلةٍ له أغنيات وأشعار يعج بها الكتاب إذ يستمتع الكاتب بإيرادها متى ما جاء ذكرها, وهو ما يلقي الضوء على شغفه بالأدب الذي ورثه عن أبيه وعلى فكر تلك المنطقة.

وأكثر ما ميز أسلوب الرواية لديّ هو سردها بصيغة المضارع ودائماً من منظور المرحلة العمرية التي يسردها, حتى التعبير عن المشاعر المختلفة يأتي من ذلك المنظور غير المُدرِك لحجم المأساة عندما يكون الحدث مأساوياً. فعندما تموت أخته الرضيعة قُبيل العودة إلى ايرلندا وتأخذه جارتهم اليهودية هو وإخوته الأصغر للعناية بهم فترة انشغال أبويهم بالجنازة والأحزان, وتقدم لهم طعاماً لذيذاً لا يستطع والداه المهاجران الفقيران توفيره يفرح به كثيراً إلى أن يكاد يتمنى لو بقي مع هذه الأسرة إلى الأبد لينعم بالطعام اللذيذ بدلاً من العودة إلى بيت أبيه السكير الذي تقول عنه أمه إن له قدمين يُسراوين, كناية عن عدم إجادته للرقص, إلا أنه وبسلاسةٍ جميلة يتراجع في الحال مدركاً أنه يفضل أن يكون مع والده بقدميه اليسراوين, وأن يرى ضحك أمه عندما تشاهد رقصته الخرقاء وهو يحمل مارجريت الرضيعه. وتنتابه رغبةُ أن تعود أخته إلى الحياة وأن يعود كل شيءٍ كما كان, وهنا نلمس شعور الطفل الصغير بالحزن البريء غير المستوعَب تماماً.

وقد يرى القارئ أنه من غير المنطقي أن يتذكر طفلٌ في الثالثة كل هذه التفاصيل التي يوردها في الكتاب إلا أنه في صفحة الشكر والامتنان يشكر من ضمن من يشكر حفيدته التي “ساعدته” بطفولتها على تذكر طفولته. ولكني لم أعتمد على هذا في ميلي لتصديق ذكرياته, فأهم ما يعين الإنسان على تذكر تلك المراحل الطفولية هي الأحداث غير العادية, فالمشاعر التي تحفِّزها مثل هذه الأحداث تُثبِّتها في الذاكرة, وطفولته مليئة بالأحداث الفارقة بالنسبة لطفلٍ, وحريّ بها أن تَثبُت في ذاكرته. فموت أخته, والإحساس بالجوع, والسفر في سفينة عائدين إلى ايرلندا, ثم موت أخويه التوأمين الواحد تلو الآخر مرضاً, والشعور بالتعب أثناء العمل في طفولتة, والمرض.. كل هذه الأشياء من النوع الذي يضع بصمةً في الذاكرة لا تُزال بسهولة.

والفاقة تتجلى عندما لا تستطيع الأسرة أن تأكل أكثر من قليلٍ من الخبز المقلي في يومها, وعندما يتصدر المائدة رأس الخنزير الذي يُصرف للفقراء ليحتفلوا بالكريسماس بدلاً من الديك الرومي, حتى يضطر الأب إلى قطع ما فيه من لحمٍ يضعه أمام الأطفال ثم يخفي بقية الرأس تحت المائدة ليستطيعوا تناول وجبتهم.. والكدح يظهر من خلال اقتناء فُرُشٍ ملأى بالبراغيث بدلاً من الجديدة, وصعوبة الحصول على ملابس. وبالكاد تعين الأعمال التي يعمل بها الكاتب في طفولته ومراهقته في تغطية بعض احتياجاته. وتتواصل مصاعب أمه, أنجيلا, التي تجعلها تأوي بحزنها وحيرتها إلى المدفأة, ويهجرها زوجها بعد ولادة طفلها الخامس, مع حبه لأسرته, لانشغالاته الأخرى.

أما هو فعندما يبلغ التاسعة عشرة من عمره يتحقق له الحلم بالهجرة بتوفير بعض المال وسرقة ما يكمله من امرأةٍ كانت تستعين به في قضاء حوائجها عندما يدخل عليها فيجدها ميتة فيأخذ أجره من حقيبتها ومعه أربعين دولاراً لشراء تذكرة السفينة, ويهاجر عائداً إلى نيويورك لتكون تلك المحاولة الثانية والناجحة لهجرة الأسرة التي طالما جلس أفرادها يتحدثون عنها ويحلمون بها.

وكشأن كل السِيَر الذاتية تتطرق هذه السيرة إلى خصوصيات آخرين مثل أمه التي بها زادت قائمة الغاضبين عليه من الأمريكان الايرلنديين: هؤلاء يرون أنه أساء إلى ايرلندا وإلى ليمِريك بالمبالغة في إظهار فقرها في سيرته, وهذه تتهمه بأنه صوَّرها في سيرته بشكلٍ يسيء إليها. هذا رغم أن الرواية حازت على عددٍ من الجوائز, وكُرم من أجلها بأشكالٍ أخرى مع أن أمه صاحت به في أحد هذه المحافل معلنةً أن السيرة “ملأى بالأكاذيب”. ولو كنت مكانها لربما فعلت الشيء نفسه, لأنه يبدو أنه لم يترك لها خصوصية إلا وأذاع بها في هذه السيرة المفصّلة, والقيِّمة رغم كل شيء, لأنها إذا لم تنقل واقع إيرلندا في تلك الحقبة بدقةٍ فقد قاربته كثيراً.

%d8%b1%d9%85%d8%a7%d8%af-%d8%a3%d9%86%d8%ac%d9%8a%d9%84%d8%a7-3

 

 

دلال خليفة

نشر هذا المقال بمجلة أغناب عدد شهر يوليو لعام 2016م

 

Titleصدى الحرمان, شاعرة جاءت بعد أن نامت العصافير

شهر إبريل دائماً يذكري بصدى الحرمان, الشاعرة ذات الكلمات العذبة. لا أعلم لماذا استقر في ذاكرتي أنها تُوفيت في إبريل مع أن تاريخ آخر قصائدها يشير إلى أنها كانت معنا حتى أواخر شهر يوليو عام 2002م. ومع أن هذه المرأة الربيعية الروح بمرحها وموسيقاها الداخلية التي تخرج شعراً لا تنسى, إلا أن إبريل دائماً يشحذ ذكراها في مخيلتي.

في إبريلِ هذا العام ارتأيت أن أحتفي بها. كنت قد كتبت لها رسالة مطولة بعد وفاتها بأسبوعين, إلا أنني لم أكملها فظلت بشحنتها العاطفية في مكانٍ ما في انتظار النشر. لم أجدها عندما أردت أن أستكملها أو أنشر جزءاً منها في أعناب, فقررت أن أكتب مادة أخرى. فتحت كتابها الذي كانت أعدته للنشر قُبيْل وفاتها فصدر بعد وفاتها. أخذت أقرؤه ثانية وهنا كانت المفاجأة الجميلة التي كنت قد نسيت وجودها عبر السنين. إنها رسائلها.

رحلة حرف

ما اعتبرتُه رسائل هو مقدمة كتاب “رحلة حرف” ومقدمات بعض القصائد التي يحتويها. وهي الكنز الصغير الذي سأركز عليه هنا, ففي هذه الكلمات رأيت بُعداً آخر جميلاً لهذه الشاعرة الرائعة. في هذه الأسطر شعرتُ بها تُساررني ببعض دواخلها.. تبوح ببعض ضعفها ومخاوفها وتعلن عن قوتها وثقتها بنفسها رغم كل شيء..

استمع لهمساتها قارئي العزيز فإنها همساتٌ لطيفة مؤثّرة لها ملمسُ ورقِ الورد النديّ وصوتُ تغريدِ العصافير في صباحاتٍ مشرقةٍ أو مطيرةٍ لا بدّ أنها لاحت لها من خلال زجاج النافذة عندما كانت تطفئ الكمبيوتر المثبت قرب سريرها فتظلم شاشته, التي كانت نافذتها الكبرى على العالم, لتنظر إلى النافذة الأخرى المطلة على الفناء وتصغى للطبيعة.

في مقدمة ديوانها “رحلة حرف” تقول: “لقد جئت في آخر الزمن المتوج بالحب بعد أن نامت العصافير وانطفأت الشموع وذبلت آخر وردة انتظرت أن تهدى إلى قافيةٍ تشبه قافيتي ومشاعر تستمد وجودها واستمراريتها من مشاعري, جئت بعد أن رحلت كل الكلمات إلى دفاتر المجهول.

لم أجد ما كنت آمل في وجوده ولم يحدث ما حلمت به, حتى حبات الرمال على الشاطئ أبت أن تلامس قدمي.

كل شيءٍ يرفض أن يبادلني نفس المشاعر, كل اللحظات ترفض أن يشاركني إياها أحد. لأني جئت في آخر الزمن المتوج بالحب.”

هل سمعتها قارئي؟ هل لاحظت حنين قدميها اللتين عهدتا رمال البحر الرطبة عندما كانتا طفلتين إلى الشواطئ؟

وفي مقدمة قصيدة “جدار الصمت” تهمس لنا صدى:

“حاولت المستحيل أن يكتمل هذا الحب.. ولكن تردده كان أقوى من الجمر, لذا مشيت عليه لأصل.. ولم أصل أبداً.” ما أعمق هذه الكلمات. حتى المشى على الجمر يا صدى لا يضمن الوصول. هناك دائماً ما هو أقوى.

وفي مقدمة قصيدة “أنصاف الحلول” تقبع أجمل الكلمات:

“الشتاء قادم ولا زالت خطواتي مقيدة, المطر بإذن الله قادم وأنا فقدت بعضاً من صوتي الذي شبهته مراراً بصوت انهمار المطر.”

من لم يعرف صدى لا يعلم أنها كثيراً ما كانت تفقد “بعض صوتها”, فقد كانت مصابة بالربو وكثيراً ما يضعف صوتها, أو تفقد طاقتها على الكلام وهي لم تقل نصف ما كانت تريد قوله. ومن لم يعرف روحها المرحة وحنينها إلى حرية المشي الكاملة التي لم تمارسها إلا في طفولتها, ولا يعرف حب أهل الخليج للمطر لن يفهم معنى أن الشتاء قادم وخطواتها لا تزال مقيدة, من الذي يريد أن يبقى في السرير بدلاً من أن يخرج ليتحدى المطر ويستمتع بقطراته الباردة إذ تسيل على وجهه؟ أما قدوم المطر وقد فقدت بعض صوتها الشبيه بانهمار المطر ففيه من البيان والجمال ما لا أستطيع أن أصفه.

وفي مقدمة قصيدة “عمر الظروف” تقول صدى:

عيناك تقول إنك أنت, نبرات صوتك.. أسلوبك.. ومع ذلك فإن مشاعري تخاف كثيراً من الاقتراب. ترتعد من مجرد فكرة أنها قد تكون مخطئة.

عمر الظروف

ما ساعدت قلبي الجريح

أخشى كثير الاختيار

يمكن يكون ما هو صحيح

يمكن تكون غلطة عمُر

والا الهوى أصبح محال

وأرجع لقلبي أعتذر

وأقول كان وهم وخيال

 

وفي قصيدة “لا للرجوع” تقرر صدى أنه:

“من الظلم أن تكتب عن تجربة ما دون أن تعيش تفاصيلها سواء كانت تجربة مريرة أو تجربة تدعو للتفاؤل, أعتقد بأن الأمر يصبح عندها كأنك تصف طعم أكلة لم تذقها في حياتك.” ما لفت نظري في هذه المقدمة أنها تقرر ليس أنه من الخطأ أن تكتب عن تجربة دون أن تعيش تفاصيلها, أو من عدم الدقة أو الكذب أو أي شيء آخر, وإنما “من الظلم”! أتُراها تعني أن ذلك ظلمٌ للتجربة أم للآخرين أم للنفس؟ كلمة “ظلم” اختيار فيه كثيرٌ من الحساسية مثل كثير من اختيارات صدى الحرمان للكلمات.

وأخيراً قارئي العزيز عُد واقرأ قصيدة “عمر الظروف” أعلاه من المقدمة إلى النهاية وكأنها نصاً واحداً فقد أرفقت بها القصيدة كي تستمتع بهما معاً. ألا تشعرك المقدمة بأنها جزءٌ من القصيدة؟ وكأن تلك القصيدة كتبت بأسلوبٍ تجريبيٍّ حديث في الشعر العامي. القصائد  الخمس التي بها مقدمات حاولتُ قراءة كلٍّ منها كوحدةٍ واحدة, فشعرت أنني أقرأ أسلوبا حديثاً جميلاً في الشعر العامي. هل كانت الشاعرة تعني ذلك يا ترى؟ لا أحد يعلم بعد أن غادرتنا, ولكن المقدمات تأتي دائماً منسجمة مع القصائد لا كمقدماتٍ فقط وإنما كجزءٍ من النص الأدبي, وذكرني ذلك ببعض الأغاني الغربية المعاصرة التي يتخللها ما يسمى بالراب وهو جملٌ بلا قافية تُلقى بوتيرةٍ واحدة, كانت فناً مستقلاً بذاته, أما الآن فكثيراً ما تأتي كجزءٍ مضاف إلى أغنية مقّفاة ومغناة بالنمط المعتاد.

لنقرأ صدى ثانيةً فإن لديها الكثير مما لم نعلم بعد بوجوده لديها من جماليات الشعر وفنونه. ولنضعها دائماً في مكانها الذي تستحقه, الصف الأول لشاعرات وشعراء قطر والخليج.

دلال خليفة

نشر بمجلة أعناب العدد السادس

 

Titleأيام الماعز, نافذة على الأدب الهندي المعاصر

غلاف أيام الماعز

أيام الماعز, أو “الحياة الماعزية” كما في لغتها الأصلية (الملبارية), رواية أخذت تبرز في الأوساط العربية وتثير شيئاً من الجدل بعد أن ترجمها المترجم الكيرلاوي سهيل عبد الحكيم الوافي إلى العربية إثر انطلاقتها الهائلة مذ نشرت للكاتب الهندي الكيرلاوي بيني دانييل المعروف بـ بنيامين, حتى أن عدد طبعاتها تجاوز المائة. ولا عجب من انتشار هذه الرواية بهذا الشكل, فكل الروايات التي تصدم القارئ بمآسي كانت خافيةً عليه وتقدم له نماذج بشرية تستثير العواطف المختلفة, تجد دائماً طريقها إلى قلب القارئ.

وجماليات هذا النوع من الأدب قد تأتي أيضاً من تقديم ثقافات مختلفة وبيئاتٍ جديدة على معظم القراء. أيام الماعز مثلاً تطرح معلوماتٍ مختلفة عن الصحراء بأسطوريةٍ محببة. فحتى لو كنت من سكان بلدٍ صحراوي الطبيعة فستجد معلوماتٍ تبهرك عن الصحراء, فالمرور أو التخييم بها للتنزه ليس كتخيل التعرض لوخز رمالها في يومٍ عاصف, أو مواجهة كائناتها أو معاناة جفافها وقسوتها في رحلة هروبٍ من القهر والتسخير والإنقطاع الجبري عن العالم. ولعل أجمل ما في الرواية هو الجزء الذي يسهب فيه الكاتب في وصف الصحراء بما فيها من كثبانٍ غير مستقرة, وتشكيلاتٍ رملية عجيبة, وبما فيها من أحياء.

وقد يكون من أبلغ ما في هذه الرواية – وقد جاء توفيقاً- رمزية الصحراء في حياة نجيب, بطل الرواية, ففراغها يرمز إلى العدم, والقصة تقريباً عن العدم حيث يجمع نجيب ما فوقه وما تحته ويقترض مبالغ أخرى, ويمده معارفه من كل حدبٍ وصوْبٍ بما يكمل الثلاثين ألف روبية التي سيشتري بها تأشيرة سفرٍ إلى الخليج, ليفاجأ ما إن يصل بانعدام كل شيءٍ حلم به وكل شيءٍ كان لديه من قبل, حتى إمكانية المحافظة على نظافته الشخصية, إلى أن لا يتبقّى في حوزته إلا العدم, الذي يمتد عميقاً في نفسه كامتداد الصحراء الفارغة أمامه.

والإنسان عندما يكتشف أنه لم يبق لديه إلا العدم فمن الطبيعي أن يقايضه بأيّ شيء يبدو أقل عدميةً وإن كان مصيراً مظلماً غير مأمون العواقب مثل السجن. وهكذا يتجه نجيب إلى السجن ليراود حراسه عن لا قانونية إقامته التي أخفى سيده القاسي أوراقها. ويفرح فرحاً شديداً عندما تنجح محاولته هو وهاربٌ آخر في إقناع الحراس بأنهما يستحقان السجن. بهذا الموقف الساخر تبدأ الرواية, ثم تنطلق راويةً لنا قصة نجيب منذ أن أقنعته زوجته بالسفر إلى الخليج.

الرواية مبنية على قصة واقعية, حيث يحوّل بنيامين قصة نجيب, العامل الذي يتعرض للمهانة في الواقع ويتجرع العدم في تجربةٍ مُرّة له في صحراءٍ سعودية, إلى عملٍ أدبيِّ من خلال كثيرٍ من الإضافات التي إلى حدٍ ما تُأسطر تجربة هذا الإنسان. وهو لا يُخفي هذا إذ يقول في لقاءٍ له في موقعٍ إلكتروني إنه لجأ في سبيل تحويل تلك التجربة إلى رواية إلى “إضافة بعض الشخصيات والعناصر”, التي أثارت إضافتها, كما يقول, حفيظة نجيب الحقيقي من أن يلتبس الأمر على الناس فيخلطوا بين شخصيات الواقع والشخصيات الخيالية.

ويتجلى الفكر الشرقي في هذا العمل في أسطورية بعض شخصياتها التي تظهر وقت الحاجة إليها كملائكة رحمة في أحلك حاجات نجيب إلى اليد الملائكية التي تأخذ بيده, ثم تختفي من المشهد بعد أن تؤدي دورها. أبرزها وأشدها أسطورية وغنىً بالسمات التي قد تعتبر ملائكية في مقاييسنا البشرية شخصية ابراهيم القادري, الراعي الصومالي “الخبير بأمور الصحراء”, والذي يظهر ليهرّب نجيب عبر صحراءٍ يجدان فيها الأهوال,  إلى أن يصل به إلى مكانٍ قريب من شارعٍ تمر به الشاحنات, ثم يختفي تماماً.

ماعزية نجيب المبروزة في العنوان تأتي من إهانته وتقزيم بشريته من خلال سوء المعاملة والحرمان والتجريد من كل الحقوق إلى أن يصبح كالمعز والأغنام التي يرعاها. إلا أنني أرى أن ماعزيته تأتي أيضاً من مخالطته لهذه الأغنام واعتماده عليها في كل شيءٍ تقريباً, فهو يحدثها بهمومه, ويمنحها أسماءً بشرية, حتى أنه تقريباً يتبنى مرة أحد صغارها إذ وُلد على يديه ويطلق عليه الاسم الذي اختاره لابنه المنتظر. ثم هناك تَغَذّيه على حليبها ولجوئه إليها للتدفئة ولبعض احتياجاته الأخرى, حتى أنه عندما يشعر بالغضب من وضعه ذات مرةٍ ينطلق إليها لينفّس عن غضبه فيها فيوقع عليها العذاب والألم, وهو الموضع الوحيد في الرواية الذي يفقد القارئ فيه تعاطفه مع هذا الإنسان المطحون.

ومع أن التركيز في الرواية على الاضطهاد الذي يتعرض له نجيب في الخليج, إلا أنه في هذه الرواية تترسخ (بشكلٍ غير مقصود) حقيقةٌ مُرّة عن الطبقية في بعض البلاد الآسيوية, التي تُفقد الإنسان عادةً شعوره بجدوى الدفاع عن نفسه. فعندما تبدأ الحكاية باستجابة نجيب العمياء, والجبانة بعض الشيء -هو وفتىً يأتي معه- لأوامر شخصٍ ما زعم أنه كفيلهما بلا دليل, وتسليمه وثائقهما بلا مقاومة, وقبول غطرسته ووقاحته قبل مغادرة المطار, تعلم أن نجيب لم تنكسر نفسه أساساً في الخليج, بل جاء من كيرلا بنفسٍ كسرتها الحاجة والطبقية إلى حدٍ ما فسهُل على الكفيل الظالم سحقها. لا أظن أن أحداً غيري قد لاحظ هذه الملاحظة التي أحزنتني حقاً وأشعرتني أن الأحداث المؤلمة التي تلت وصول نجيب قد لا تعدو كونها تفصيلاً لموجز إنكسار كرامة الإنسان الذي رأيناه في المطار.

وهذا ليس تبريراً لظلم بعض الكفلاء هنا, فنموذج كفيل نجيب بمعاملته الوحشية وقسوته موجودٌ على امتداد الوطن العربي, إلا أنه لا يشكل إلا أقليّة ضئيلة حمقاء وجاهلة بحقوق الإنسان شرعاً وقانوناً, ومجردة من الرحمة.

الرواية مشوقة جداً وبها شيءٌ من الفكاهة رغم مأساويتها, وجميلة رغم بضعة أمور صغيرة تشعرك أن الكاتب لم يوفق فيها إلى جعل مجريات الرواية أكثر تقيداً بالواقع كما هو متوقع من عملٍ مبنيِّ على أحداثٍ واقعية, مثل قيام عاملٍ واحد بكَمٍّ غير منطقيٍّ من الأعمال اليومية, منها رعي الأغنام على أربع دفعات مع ملء حاويات مائها بشكل بدائي يستنزف الوقت, وحلب المئات منها والعناية بنظافة حظائرها الأربع بالإضافة إلى حظيرة جِمالٍ خامسة, والحيز الزمني في النهار الواحد ومحدودية القدرات البشرية يتعارضان مع ذلك.

ولكن, ورغم كل شيء, تبقى أيام الماعز روايةً مؤثرة وجديرةً بالقراءة, خاصة وأنها تُطلعنا على فكر شعبٍ لم يتسنّ لنا بعد الاطلاع عليه, شعب عرفنا منه الجانب العملي الذي نراه في شؤوننا الحياتية المختلفة, وربما الفنيّ من خلال الأفلام والموسيقى, أما الجانب الفكريّ البحت فلم نره إلا بشكلٍ هامشيٍّ جداً من خلال ما يُؤْثَر عن غاندي, ولم يحظ أغلبنا بفرصة رؤيته أدباً معاصراً بين دفّتيْ كتابٍ إلا بعد ترجمة هذه الرواية..

 

دلال خليفة

نشر بمجلة أعناب العدد الخامس

Titleفاتن حمودي, عين أخرى ومختلفة

 

في إحدى السنوات الأولى لهذه الألفية التقيتها في أبو ظبي هي وزوجها الشاعر المتميز حسان عزت. وعندما جلسنا, لا أذكر الآن أين, ربما في حديقة الفندق, أخرجت دفتر أشعارها وأخذت تقرأ لنا منه. لا أذكر الآن ما قرأته تماماً ولكني أذكر جيداً شغفها بقراءة الشعر.. طريقتها في القراءة التي تشبه البوح بأشياء نضجت وآن لها أن تخرج من حيّز النفس. كان بها عاطفة كبيرة تفيض على المعاني التي في كلماتها إلى الشعر نفسه. إنها امرأةٌ تعشق الشعر.. تستمتع بالكلمات.. بصوغها شعراً وبوقعها شعراً.. إنها… شاعرة..

غلاف قهوة الكلام غلاف قهوة الكلام

بعد ما قد يزيد على العشر سنين, ها أنا ألتقي فاتن ثانية, وها هي تخرج لنا في لقائنا اللطيف بالمطعم, ليس دفترها المليء بالشعر بخط يدها كالمذكرات الحميمة, وإنما هذه المرة نسخةً من ديوانها الأول “قهوة الكلام”, الذي ستجلس لتوقيعه بمعرض الشارقة بعدها بيومين, وأخذت تقرأ منه بعض القصائد. الحماس نفسه.. الدفق العاطفي نفسه. إلا أنني في هذه الجلسة الشعرية الطازجة لاحظت شيئاً, أو ربما, تعزَّز لديّ شيء, هذه المرأة شاعرةٌ جداً.. جداً..

هل رحل بردى؟ قصيدة “لي فيك يا بردى” شبه مرثاةٍ مؤثرةٍ لهذا النهر الذي خَلَد في ذاكرتنا المخصصة للشام ليزيدها جمالاً ورومانسية, قد يكون غيابه مؤقتاً إلا أن غيابه ولو مؤقتاً يكاد يدمي قلب الشاعرة فتخرج توجّداته لتملؤنا كمداً على بردى:

أدخل العواصم والمدن/أرسم نهراً في الرمل/أرسم صفصافاً/أتزوبع/فتغيب الأبعاد/لم يعد مركبٌ ولا ياسمين/لم يعد نهرٌ يتذكر مجراه/كنت منكسراً/ وأغني…/لي فيك يا بردى.. يا بردى

قصائدها, وقد أصبحت بين دفّتي كتابٍ بين يديّ, بها كمٌ هائلٌ من الإحساس؛ بالآخر.. بالوطن.. بأرصفة الحواري العتيقة.. بالحروف.. بكل شيء. من أجمل كلماتها التي تجدها في قصيدة “شناشيل”:

فتحت أيامي وهربت منك/ أغلقت المسام وثنايا الأبواب/ أغلقت قلبي ومشيت../ فمن يهشّ عن نافذتك الملل/ اعتامت روحي… أرعدت فأجهشت/ قلتُ: إنه المطر/ وقلتُ ستجمعنا مظلة/ رفعتُ حروفك../ وفي غرفةٍ بعيدةٍ أقصيت نهري/ لم يكن ذاك الشتاء معتماً/ لولا مظلةٌ منسيةٌ هناك

هلا نظرت قارئي كيف عبرت هذه الشاعرة عن افتراقها عن الآخر الذي يداخل ارتباطه بها الزمن والأيام, وكيف عبرت عن الهروب منه.. كيف لم يكفِ إغلاق الأبواب حتى أغلقت المسام؟ أما ما يدعوك إلى التوقف لتقضى لحظةً مهيبةً تتماهى فيها مع جوِّ القصيدة وتتعاطف مع شخوصها وأشيائها فيأتي في السطرين الأخيرين من المقطع: “لم يكن ذلك الشتاء معتماً/ لولا مظلة منسية هناك” فهذان السطران بمثابة الخبرة المشتركة التي تصنع دائماً سحر القصيدة. لا يكاد إنسانٌ يجتاز الحياة من دون أن يمر بنوع من الخبرات يشترك فيها مع معظم الناس. وهي هنا تلك الحالة التي يستثيرها شيءٌ من الأشياء التي كنا نراها بلا شأنٍ البتة فإذا بها تختزن من الذكرى والأحاسيس ما لم نكن نتخيل. تلك المظلة الحزينة تُفشل خطةَ عاشقةٍ للنسيان كما تفعل كل الأشياء التي ما كنا لنظن أنها قد تنقلب علينا يوماً لتصفعنا بهشاشتنا التي كنا, مكابرةً, نجهل وجودها لدينا.

لشعر فاتن حمودي نكهته الخاصة وكلماته المفتاحية, إن صح التعبير, أو البارزة, التي يبدو أن الشاعرة تدرك معاني بعضها بشكلٍ مختلفٍ خاصٍّ بها, وتستمد الصور المعتادة من بعضها الآخر.

image فاتن حمودي في حفل توقيع قهوة الكلام

البرد بكل مشتقاته, “بردان”, “بارد”.. كلها دلالات افتقاد أشياء أساسية في حياة الإنسان تمده بالدفء: الآخر الراحل, الآخر المفتقد, الآخر الميت.. الوطن.. البيت.. “وذلك المقعد البردان في أعالي الجبال” (من قصيدة “وجوه”) “وضاقت نافذتي وأنا برداااانة” ( من قصيدة “شناشيل”)

ثم هناك مكونِّات وأدوات القصيدة من “كلمات” و”حروف” و”أوراق” و”نَصّ” وغيرها. كلها تُذكَر وتُكرّر بما يصعب حصره, وبشكلٍ لا يدلّ إلا على الهوس بالقصيدة والحيّز الضخم الذي تشغله في نفس هذه الشاعرة.

“قميص”.. “قمصان”: يبدو أن القميص هنا ليس فقط ذلك الملبس الذي يُتخذ لستر الجسد أو لحمايته, وإنما هو في الغالب أداة تنكّر أو تخفّي, أو حالة راهنة مؤقتة, غالباً من الغياب والغربة.

الكلب: هذا الحيوان عادةً, وخاصةً في الثقافة العربية, يعبر عن الشخص الشرس, الوضيع, الخسيس, الجائر, ولكنه عند فاتن حمودي يكاد يُجرَّدُ من معظم هذه الدلالات. إنه  حيوانٌ مسكينٌ حائرٌ, وربما حزينٌ أيضاً, ينبح بعيداً خلوَّ المدينة من سكانها, كما يعض القمصان (حالة الغربة) المنسكبة لتحول بينه وبين المدينة التي يحب. إنه كائنٌ بلا حولٌ ولا قوةٌ, ولا قيمة له على الإطلاق تشبّه به الشاعرة نفسها في اغترابها عن الشام, تمرغاً في تراب الشام, كما يقزّم العاشق نفسه أمام قدميْ محبوبه العملاق علّهُ يعبّر عن ذرةٍ من حجم منزلته الهائل عنده:

“يا شام… يا شام… أنا بدون أصواتك… أغنياتك… حمائمك…

أزقّتك… ياسمينك… لست

غير كلبٍ لاهثٍ يعضُّ قمصان الغياب” (من قصيدة “غريبان”).

“الطريق” كذلك حالةٌ راهنةٌ تمثل الابتعاد عن الوطن, ابتعاداً من المأمول أن يكون مؤقتاً, كما تمثل المحطات الحياتية التي قد لا نحب بعضها إلا أنه يتعين علينا احتمالها كمتلازماتٍ لما نريد تحقيقه. خير ما يمثّله قصيدة “الطريق بلوى”, الذي يبدو وكأنه قصةً من النوع التجريبيّ تحكي سيرةً ذاتيةً للشاعرة أبرز ما فيها غيابُها عن الوطن.

ثم هنالك مجاذيب الحي, المقاعد, المطر, الثلج, الرياح, الشموع, العصافير, الياسمين, الشام.. الشام.. الشام.. لا يمكن أن تقرأ “قهوة الكلام” فلا تشعر بقلب الشام, بحواريها.. بأزقتها.. بجُرحِها.. وبالمكانة المحفورة لها عميقاً عميقاً في نفس الشاعرة, وبمقدار اشتياقها إليها.

فاتن, صديقتي, إبقي على شغفك بالكلمات, وبالحروف والشعر ما حييتِ. لا تفقدي حماسك يوماً لكتابته ثم قراءته لنا بذلك الشغف وتلك الحميمية, فالشعر مثل باقي أجناس الأدب عينٌ أخرى ومختلفة نرى بها العالم ونستمتع بوصف ما نراه من خلالها, ثم نُمتِع به الآخرين.

 

دلال خليفة

 

نشر في مجلة أعناب, العدد الرابع

Titleالشارقة, مدينة تحبني

أن تحب مدينةً فهذا شيءٌ عاديّ, كلنا لدينا مدنٌ نحبها. نفرح بالذهاب إليها, ونشتاقها إذا ما ابتعدنا عنها كثيراً.. ولكن أن تشعر بأن مدينةً ما تحبك فهذا شيءٌ غريبٌ وجديدٌ لم أشعره إلا مؤخراً وأنا أحزم حقائبي استعداداً للسفر للمشاركة في الفعاليات الثقافية على هامش معرض الكتاب لعام 2015 بالشارقة..

الشارقة, مدينة تحبني

Titleترجمة قصة دب من الفراء الأزرق للملبارية

IMG_2199

ترجمت إحدى قصصي القصيرة “دبٌ من الفراء الأزرق” إلى اللغة الملبارية مع قصصٍ أخرى لثلاثة كتاب قطريين آخرين هم هدى النعيمي وأحمد عبد الملك وجمال فايز.

نشرت هذه الترجمات في مجلة تشانريكا في عددها السنوي الرابع, وذلك في إطار تخصيص هذا العدد لقطر إذ كانت الموضوع الرئيس في المجلة. وقد احتفل القائمون عليها بإطلاقها في محفلٍ في الرابع عشر من شهر نوفمبر الجاري دعوا له سفير الهند بالدوحة سعادة السيد سنجيف أرورا والأديب الهندي الكبير ام مكوندن رئيس المجمع الأدبي السابق لولاية كيرلا بالهند والناشطة السعودية وأستاذة الشؤون الدولية بجامعة قطر د.هتون أجواد, والتي كانت نجمة الحفل على ما يبدو والتي قدمت لها النسخة الأولى لهذا العدد من المجلة.

ترأس الحفل السيد عبدالله باركل رئيس هيئة الإدارة لتشندريكا بقطر, وشارك فيه عدد من الشخصيات من الوسط الثقافي بالإضافة إلى باقي الحضور من المهتمين. تبدو المجلة ثرية بموضوعاته وتزيد صفحاتها على المائتي صفحة.

IMG_2192 عددٌ من المحتفى بهم في حفل إطلاق العدد الرابع  ومن بينهم سعادة السفير الهندي والكاتب الهندي ام مكوندن والدكتورة هتون أجواد والدكتور عبد الملك والكاتب جمال فايز

دب من الفراء الأزرق نشرت منذ ثلاثة أعوام بمجلة الدوحة القطرية. وترجمها إلى اللغة الملبارية سهيل الوافي الهندي الجنسية. وقد ترجم سهيل الوافي عدداً من الأعمال الأدبية منها رواية أيام الماعز التي تحكي معاناة عامل هندي في إحدى دول الخليج.

 

دب من الفراء الأزرقالصفحة الأولى من قصة “دبٌ من الفراء الأزرق” باللغة الملبارية وإلى اليسار  سهيل وافي مترجم القصص القطرية إلى اللغة الملبارية

 

Titleبكتيريا

فيروسات الشبكة الإلكترونية معروفة وهي التي تسلط على المواقع لهدمها كليّة أو تخريبها.. ولكن هناك ما يمكن أن نسميه “بكتيريا” الشبكة الإلكترونية.. هذه البكتيريا لا تهدف إلى تخريب المواقع, إنها فقط تريد الإستفادة منها بما تستطيعه.. وهي دائماً حمقاء.

تدخل هذه البكتيريا المواقع وربما لوحات تحكمها فتستخلص بطريقتها الغامضة روابط بعض ما يرد فيها لتبثها أيضاً بطريقتها الغامضة, بمعزلٍ عن الموقع الأصلي, لمن يريد أن يقتات على هذه المواقع بنشر إعلان أو رابط يوصل إلى أيّ شيءٍ يحاولون جذب الناس له.. ولكن دفاعات الموقع دائماً تسوقها إلى “الحجر الصحي” لأنها “تعلم” أنها طفيلية..

الغريب أنه عندما يستخلص رابط لموضوع ما بالموقع تتزاحم عليه المواقع التي تسعى إلى الإقتيات البكتيري لتضع تعليقاً مقَنّعاً به الروابط التي يسعى مجهولون إلى اجتذاب الناس عن طريقها.. لا تعلم أن الناس قلائل جداً في هذا المكان.. الحمقاء..

تطفلها وتكاثرها الغريب هو ما يعطيها صفة البكتيرية.. يبدأ ورودها عن طريق المساحة المخصصة للتعليق بتعليق بسيط يثني على ما “قرأ” ويختم بروابطه, (مع أن دخولها لا يحسب في إحصاء المشاهدات لأنه دخل عن طريق رابطٍ “بكتيري” لا عن طريق فتح مدخل بالموقع الرسمي) ثم تتكاثر التعليقات من المواقع المتطفلة فإذا بها تأتي من كثير من الأصقاع لتضع بلا حياء إعلانات بحجم صفحة كاملة أحياناً. وأخيراً ترى الأحرف اليابانية! كيف.. من أين؟ مـ… ماذا؟

تكنس حجرك الصحي ولكن البكتيريا تظل تأتي, وعلامة بكتيريتها أنها لا تعرف ما تعلق عليه ولهذا فهي تستخدم دائماً كلمات عامة, فتثني دائماً على “المعلومات” و”هذا الموضوع”.

تدرك في النهاية بعلمك المحدود في عالم التكنلوجيا أنك لن تتمكن من التخلص من بكتيريا روابطك التي سرقت يوم كانت دفاعاتك أضعف إلا بإلغاء المواد المتعلقة بهذه الروابط, ولو مؤقتاً, ولكن هل سيجدي هذا؟ وأحياناً تفكر.. هل تريد حقاً البقاء في عالم مهدد بالفيروسات ومليء بالبكتيريا؟

الغريب أنك في الغالب وإن شعرت بأنك أقل حماساً للحفاظ على حيزك في هذه الشبكة الهائلة إلا أنك تكره الإستسلام, وإن تطور التخريب إلى حجب حيزك الشبكي تماماً.. ستغادر حيزك عندما ترغب في المغادرة لا عندما تغيبك الطفيليات الشريرة…

لهذا فبعد كل هذا الغياب ها أنا أعود.. لمن؟ لا أعلم تماماً.. قارئي العزيز.. المجهول لأن المشاهدات القليلة التي تسجل على لوحة تحكمي هنا وهناك لا تخبرني من أنت..

تحياتي..