الصفحة الرئيسية السيرة الذاتية رسائلكم

المقالات » ما بعد مرحلة العرين
September 13, 2013

غريبٌ جداً ما يحدث في العالم, غريبٌ جداً أن ترى تاريخاً يتشكل أمامك.. أن تكون شاهداً من شهود حقبةٍ ما..
أحياناً ترى في هذا التاريخ المتشكّل بصيصاً من النور ولكنك تظل قلقاً متوجساً, ففقاعة الدم التي ثُقبت في أفغانستان لم تلتئم بعد, وكذلك تلك التي فُجرت في العراق ولبيا, والآن مصر. الدماء ما تزال تُسفك هنا وهناك وهناااااك, مرةً باسم الانتصاف ممن ظلم, ومرة باسم استعادة ثورة, أو..أو.. هناك دائماً ما يُبقي فقاعة الدم نازفةً مهراقةً في طرقاتٍ لا نعلم إلى أين تؤدي..
وفي سوريا هنالك الأحلام ذاتها.. وهنالك المخاوف ذاتها.. الحلم الأكبر لمن شارك في الثورة هو أن تتنفس سوريا التي ظلت حبيسة الأسد أكثر من أربعين عاماً هواءً نقياً خارج عرينه الذي تسوده أجواء الخوف, ولكن هل سينجح قادة الحرية في رأب التصدعات التي بدأت تظهر؟
إن مظاهر عدم توحد الثوار في سوريا تثير القلق.. فهل بدأوا التخطيط لما بعد الثورة؟ هل حسموا الأمور بحيث لا تبقى بينهم خلافاتٌ والسلاح ما يزال في أيديهم؟ وبحيث تنتقل البلاد في سلاسةٍ من العرين الملغم بالمعتقَلات إلى المرحلة الجديدة التي يحلمون بها؟
أفترض (وربما آمل) أن الُلحمة السورية ستكون أقوى من الأفغانستانية والعراقية, ومع ذلك يبقى ظِل فقاعة الدم النازفة إلى ما لا يعلمه إلا الله تعالى يثير كثيراً من القلق, إذ اختلط الحابل بالنابل فيمن أقحموا أنفسهم في هذه المعمعة لدوافعٍ خاصةٍ بهم حتى كثرت المصالح واختلفت الأهداف, فهل ستستوعب الثورة كل هذه النزعات؟
هل ستستطيع حل الإشكالات مع كل شركاء القتال, حتى الذين عرضوا خدماتهم القتالية, ليس لإنقاذ إخوة مسلمين مستضعفين عانوا الأمرين من التقتيل والسَجن, فقط لوجه الله الكريم بل, كما اتضح لاحقاً, من أجل مخططٍ خاص بهم وهو تحقيق حلم دولةٍ مثالية لا تتلاءم إلا مع نظرتهم هم للمثالية, التي قد يُستساغ وفقها قتل مئاتٍ من قادة الثورة ضماناً لتحقيقها.
وهل سيجد قادة الثورة وقتاً لتنظيم القتال والمقاتلين, وتزويدهم ببطاقات عسكرية خاصة بالجيش الحر لكي لا يتسنى لأحد أن يسيء للثورة ويستخدم سلاحه للسرقة والنهب والاختطاف لا لدعم الثورة؟ ثم هل سيجدون وقتاً للاجتماع من أجل تشكيل حكومةٍ ما أو أيّ شكلٍ من أشكال الحكم الانتقاليّ الذي يرضونه بالداخل ليبدأ عمله ريثما يتم انتخاب رئيس فعليّ في أجواءٍ أكثر استقراراً؟
وهناك قضية من الذي سيتولى الأمر؟ لا أحب تعبير “سرقة الثورة” الذي تردد كثيراً في مصر الذي ظلوا يرددونه إلى أن سرقت حقاً, إلا أن هناك تخوفٌ من سرقة ثورة سوريا, فمن جاء من الخارج من المعارضين السوريين, ومن المقاتلين العرب, ومن برز في الداخل على هيئة مجالس عسكرية ومن اقترحتهم بعض الدول الصديقة, كل ذلك يثير تخوفاً على ثورةٍ هي أغلى الثورات ليس لأنها كانت لازمة (فكلنا كنا نأمل أن تكتفي بالمرحلة السلمية), وإنما بما دفعته من دماء..
لو جاء معارضٌ ليس متناغماً مع قيم الثوار ولم يفز بأغلبيةٍ شبه ساحقة فستكون الثورة قد سرقت.. ولو ضربت أمريكا ثم عينت من يقبل بشروطها, فأيضاً ستكون الثورة قد سرقت. ولو جاء فردٌ من جماعةٍ لها انتماءات خارج الحدود السورية لها حلمٌ لن يتحقق إلا بسفك المزيد والمزيد من الدماء, فستكون الثورة قد سرقت..
صورة لموضوع سوريا
لا أعلم لماذا يتخوف الناس من حكم العسكر في سوريا, ولكني أرى أن هناك شخصياتٌ عسكرية في الثورة السورية بالذات (وليس في غيرها) موثوق بتحضُّرِها وإنسانيتها وتستحق أن ترأس البلاد أكثر من أيٍّ معارضٍ جاء من الخارج ولم يظمأ ولم يجُع ولم يتوجَّع قط خلال الثورة, فيستلم البلاد على طبقٍ من فضة.
وأظن أنه لو رُشحت إحدى هذه الشخصيات في المناطق المحررة لفازت. من هؤلاء رياض الأسـعـد مثلاً, وهنــاك ماهر النعيمي..
مثل هذه الشخصيات تشعُر أنها تتحرك بوازعٍ من ضميرها, وأنه لن تُظلم فئةٌ في حكمها إذا حكمت خاصة إن دُعمت بمستشارين ذوي خبرة.
كما أن مثل هذه الشخصيات إن سُمح لها بفترة رئاسةٍ انتقاليةٍ أو حقيقيةٍ محدودةِ الأجل فقد تأتي يوماً بشبيهةِ مصر أيام عبد الناصر, وقطعـاً لن تكـون الثـورة مسروقةً وهي في أيديهم, لأنهم من رموزها التي حظيت بشعبيةٍ كبيرة, أما أصحاب الإئتلاف ومرشحيهم والمجالس العسكرية وجماعات القاعدة فأغلب الظن أن وصولهم للحكم لن ينتج إلا دولةً ضعيفةً بسبب رفض الشعب لها, ولن تنتج إلا ثورةً أو ثوراتٍ مضّادة لا نعلم متى سترقأ الدماء السورية من بعدها.

دلال خليفة

zp8497586rq
zp8497586rq
   
دلال خليفة، كاتبة روائية ومسرحية وقاصة من قطر، الموقع الرسمي الوحيد.

Delal khalifa, Qatari novel, short story and play writer. This is her official website.


كافة الحقوق محفوظة @ 2013 Site designed, developed & maintained by: Smart Demands Inc..